في ذهنه تترابط الأحداث وتتصل الحلقات المفقودة ببعضها البعض.. إن كان
ّ ما ذهب إليه صحيحا فلا بد أن يبدأ بتنفيذ خطته هو في أسرع وقت.. لا بد أن
يصل إلى الحقيقة..
ٌ الجهل عذاب حقيقي..
الغموض وسيلة تعذيب لا يعرفها إلا من خبــِـــرها.. وهو خبــِرها مع هــدى
في أكثر من مناسبة، وكأنها ما ظهرت في حياته إلا من أجل هذا..
صوت طرقات على الباب.. يدخل المهدي ومنير والأول يتساءل:
- ماذا هناك يا خالد.. أقلقتني فعلا.. لقد حمدنا الله أن هذا الموضوع انتهى
بشق الأنفس.. ففيم تنبش مجددا؟
ّ - أنا لا أفعل.. الحقائق تصر ّ على أن تظهر لي نفسها بدون إرادة مني..
ّ - كيف؟ ما قضية تلك الصورة التي حدثتني عنها في الهاتف؟
- تعاليا.. سأريكما شيئا..
يفرد خالد صورتي زهرليزا اللتين بحوزته.. يضع الصورة الأولى التي اشتراها
من البائع المتجول..
- أتريان هذا الانحراف في في سواد العين اليمنى لزهرليزا؟
- هه.. ربما.. أعتقد..
- لا يجب أن تعتقد.. ركز النظر جيدا وستلاحظه..
- الحقيقة أنه واضح.. نعم، بؤبؤ العين اليمنى يتجه نحو الخارج بانحراف
بسيط..
يضع خالد الصورة الشفافة فوق الصورة الأولى بدقة ويتراجع مفسحا المجال
للمهدي ومنير كي ينظرا..
- الآن.. أنظرا إلى ذات العين.. ما رأيكما؟
يقترب المهدي ويدقق. منير يفعل نفس الشيء. يعيدان العملية. حائرين وغير
راغبين في التصديق..
ّ - بالله عليك.. هذا الملمتر أو يزيد لا يصنع أي فارق، لعل اللوحة الأصلية
تشوهت بشكل ما فقط..
- أبدا.. هذه ليست دلالات تشوه.. هذه ضربة ريشة في غير محلها.. ولو دققت
أكثر ستتأكد..
- تعني أنك لاحظت هذا بينما المتحف الأمريكي بكل إدارته ومسؤوليه لم
يفعل..
- عادي جدا يا منير.. لو راجعت الأحداث فستجد أن العملية كانت متقنة
بدرجة لا تترك المجال للتفكير في عملية تزوير اللوحة مطلقا.. اللوحة تسرق
من المتحف من طرف عصابة.. يتم ضبطها في بلجيكا مع الشخص الذي زار
حارس المتحف- الذي هو المهدي - في نفس يوم السرقة.. بل وبكامل إطارها..
لاحظ معي أن التزوير متقن جدا وليس هناك أي خطأ سوى هذا الذي ذكرت،
ْ ولم أكتشفه سوى لولعي القديم بعيني زُهرليزا.. لقد أوشكت هذه العصابة
فعلا على ارتكاب الجريمة الكاملة، لولا أن «الروح عزيزة عند الله» كما يقول
مثلنا الدارج..
ْ - هاها.. هم لم يقتلوك..
- بل فعلوا ما هو أكثر.. قتلوا روحي وتركوا الجسد.. لكن أكثر الناس لا
يبصرون..
ّ - لا تضخـــم الأمور..
- والله لا أفعل..
ٌ - طيب ماذا أنت فاعل الآن؟! لن تبلغ الشرطة طبعا.. أنا أعرف تفكيرك..
- طبعا لا.. تريد بعد كل هذه الضجة أن أعود للظهور مجددا كاشفا عن أمر
مريب جدا لا يكتشفه في الغالب إلا من زور اللوحة فعلا؟!! ستعود الشكوك
لتتجه نحوي بالتأكيد.. وحتى لو فرضنا أنهم ضبطوا العصابة والمدعوة هدى..
ّ فمن يضمن لي ألا تنتقم مني هذه الأخيرة وتدعي أنني أنتمي إليها؟ أمامي
الكثير من الأسرار لأحاول كشفها بنفسي قبل أن أصل إلى مرحلة تبليغ
الشرطة..
ّ - لا أحب نغمة الأفلام هذه..
ّ - أنت محق ُ .. لقد كان فيلما رائعا وأنا داخل السجن. لا تدري كم استمتعت..
- أوه.. عذرا.. لا أقصد يا خالد أن أقلل من قسوة ما مررت به.. لكنني لا أريد لك
أن تتورط في أي شيء مجددا..
90
- ثق أنني لن أفعل.. بالمناسبة، لمن كان النصر؟ لك أم له؟
- انتهى الكلاسيكو بالتعادل لحسن حظنا.. هذا يعني أننا سننهي الليلة دون
شجار..
ّ - جميل.. ذلك ما كنــــــــا نبغ..
يغادر المهدي ومنير. يعود خالد بذاكرته إلى لحظاته الأخيرة في السجن عندما
كان يجمع حاجياته.. كان سمير و«الطمأنينة» في وداعه..
انتحى به «الطمأنينة» جانبا.. سلمه مظروفا في يده..
- هذه لك..
- ما هذا؟ لا لا أريد شيئا..
- الأيام الأولى بعد الخروج من السجن تكون صعبة..
- قلت لك لا أريد..
- لا أستشيرك..
ّ مرة أخرى، بصق على الأرض ثم لكمه مرتين في كتفه حتى كاد يسقط ..
- أنت رقيق المشاعر حقا يا «الطمأنينة..»
- يقولون..
يتنهد خالد وهو يتذكر تلك اللحظة الزاخرة بالمشاعر رغم كل شيء..
يفتح خالد المظروف. تصعقه المفاجأة إذ يجد أنه يحتوي على مبلغ عشرة
آلاف درهم كاملة كهدية ومعه ورقة صغيرة مكتوب عليها «الصحافي رجل..»
يعترف أنه لم يعد يفهم شيئا..
ّ هدى.. الحسناء الجميلة الرقيقة تحتفظ في داخلها بوحش كاسر يدمر
حياته..
«الطمأنينة..» الذي اعتقده فعلا وحشا كاسرا في البداية هاهو يظهر له أن
بداخله ملاكا حقيقيا..
ّ المظاهر.. المظاهر.. هذه كلمة السر.. يا الله كم تكون خادعة في أغلب
الأحيان..
ّ لا تنظر إلى الص ّ ور.. أنظر إلى القلوب التي في الصــدور..
91
لا يغرنك تظاهر المتظاهرين..
ّ روائح العطور.. الكلام المنمق المختار بعناية.. التوقف قليلا حتى تصعد أنت أولا
إلى المصعد.. الابتسامة المفتعلة..
وعند أول اختبار... هوووووب... تأتيك الضربة من حيث لا تحتسب..
منه.. قال له أنه
ٍ
ّ يخرج خالد ذلك الرقم الذي سلــــمه له سمير بعد طلب
سيوصله إلى شخص يوصله إلى شخص..وهكذا، حتى يستطيع الوصول إلى
هدفه..
ّ يجري خالد مجموعة من الاتصالات تحتوي على مجموعة من كلمات السر
منحها إياه سمير، قبل أن يستطيع في الأخير الحصول على رقم شخص
بعينه..
- آلو، السلام عليكم..
- وعليكم..
- أريد بعض السمك الطري..
- لا يوجد لدي سمك..
ّ - لقد أرسلني ولد الحوات..
- غدا على الساعة 8صباحا بمقهى السعيدي بسوق كاساباراطا..
- هي اللي ماتعاودشي..
ّ يلو ّ ح خالد بالهاتف فوق الفراش.. يضع بعض قطع اللحم المرقد لقطته في
ّ صحن. يعد كأس شاي منعنع.
..
ُ يخرج صحن الحلوى الذي تركته له «عزيزة رحمة..» يبسمل
لطنجة..
ٍ
مغترب
ِ
ْ - تعالي ٌ يا «الحلوى د كيكس..» لك شوق في القلب كشوق
92
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق